الأسرة هي الأرضية الخصبة؛ لتنشئة الأجيال وتربية الرجال، وأساس تكوين المجتمع، واللبنة الأولى في بناء كيان الأمة، والنواة الكبرى في تشييد حضارتها، وبنجاح الأسرة تقاس سعادة ونجاح المجتمع، فهي الخلية التي إذا صلحت صلحت الأمة كلها.
والأسرة الصالحة نعمة من نعم الله على عباده، يجد فيها المسلم راحة باله، وهدوء نفسه وقلبه، وأنس فكره وضميره، وطمأنينة خاطره وفؤاده.حيث يجد فيها السكن والراحة والمودة والرحمة في خضم مشاغل الحياة وأعبائها، قوله سبحانه: وقوله سبحانه: { وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً } [النحل:80] { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الروم:21].
لقد جاء الإسلام نظاماً كاملاً، ومنهاجاً شاملاً لكل جوانب الحياة، ومن أهم الجوانب التي أهتم بها الإسلام، وأولها مزيد من الرعاية والاهتمام، الجانب المتعلق بالأسرة، حيث رغَّب دين الإسلام في بناء كيان الأسرة المسلمة، وإقامة صرحها، وتكوين قواعدها، وإشادة أركانها، والحفاظ على جوها الصافي، وظلها الوارف.وقد أحكم الإسلام صياغة نظام الأسرة المسلمة أحسن أحكام وأدقه، وأتقن تشريعاتها خير إتقان وأكمله، ولقد فصل الله سبحانه وتعالى أحكام الأسرة في كتابه العزيز، وتولت السنة المطهرة بيان نظمها وتأصيل مقاصدها في نفوس المسلمين.
كان أن عُني الإسلام أول ما عُني في تكوين الأسرة، بأن شرع الزواج وحث عليه، ورغب في اختيار الزوجة الصالحة ذات الدين والخلق والمنبت الحسن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، وحسبها، ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك )، والمسلمة تتخير الزوج الصالح أيضاً، لكون الاختيار الصحيح هو أساس ودعامة بناء الأسرة، والحياة الزوجية إذا بنيت على هذا الأساس التربوي الإسلامي فإن الأسرة تسعد ويتحقق لها النجاح والاستقرار في الحياة .
ثم بعد هذه المرحلة في تكوين الأسرة وهي مرحلة اختيار الزوجين، يهتم الإسلام بتربية الذرية الحاصلة بين هذين الزوجين، ويحملهما مسؤولية الدور العظيم المناط بهما تجاه الأجيال، فيأمر الوالدين بتنشئة أولادهما على الصلاح والابتعاد عن الفساد يقول - -: ((مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع ))
ويرفع الإسلام من قيمة الوالدين، حيث أنهما الركيزتين الأساسيتين اللتين تقوم عليهما الأسرة المسلمة؛ حفاظاً على كيان الأسرة المسلمة في شخص الوالدين، فقرن سبحانه أمر وحدانيته، وعدم الإشراك به، بالاحسان إلى الوالدين، قال تعالى (وَاعْبُدُوْا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوْا بِه شَيْئًا ، وَّبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا )، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم (الجنة تحت أقدام الأمهات).
فالأسرة المسلمة كمملكة عظيمة، الزوج فيها الملك والقائد المسير لشئونها وأمورها؛ حيث جعل الله تعالى له القوامة وحمله المسؤولية في ذلك، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ) (النساء: 34)، والزوجة هي الملكة في هذه الأسرة؛ التي تقع عليها مسؤولية إدارة شؤون البيت وأمور الإسرة الداخلية، فهي شريكة الرجل، لها من الوجبات، وعليها من الحقوق، والرعية بين هذين الملكين الكريمين هم الأولاد، فإذا قامت هذه المملكة الإيمانية وعاشت هذه الأسرة المسلمة على منهج رب البرية وسيد البشرية، عاشت هذه المملكة حياة إيمانية كريمة، وآتت هذه المملكة ثمارها كل صبح وعشية.
...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق