يتطلع الإنسان بطبيعته
إلى أن يكون وضع حياته ومختلف أموره وأحواله في أفضل صورة ممكنة، لا يحب أن يطرأ
الخلل أو القصور على ممتلكاته وأشيائه، أو في أسرته، أو في مكان عمله، أو فيما هو
تحت يديه وفي مسؤوليته، وكذلك في سائر أمور حياته.
هذا أمر جيد وحسن، ولكن الحياة الدنيا ليست
أمورها مثالية على الدوام.
قد لا تحصل على ما تريد
كاملاً ولكنك قد تحصل على بعضاً منه، قد لا تجد الوضع الذي حولك في الصورة التي
كنت تتمنّاها ولكنه إلى حد ما جيد.
شيء أفضل من لا شيء، وما لا يدرك كله لا يترك
جُلّه أو حتى بعضه، وقد يكون في ذلك البعض ولو كان قليلاً، أو في ذلك الوضع ولو
كان معيباً، خيراً كثيراً .
⛴ أصحاب السفينة كانوا يتطلعون
أن تكون سفينتهم في أفضل صورة، وأحسن حال، وأقوم أداء، وقد أحسنوا إلى الخضر وموسى
- عليهم السلام - فأركبوهم السفينة معهم، ولكن الخضر قام فخرق السفينة عليهم.
لقد أحدث خرقاً وخللاً
وعيباً في تلك السفينة التي كانت رأس مال أولئك المساكين، وكانت مصدر كسبهم
ومعيشتهم، ومصدر الدخل والرزق لهم ولأسرهم وأولادهم.
ذلك الأمر لم يعجب موسى عليه السلام، فقال له
موسى: ما صنعت؟ قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها،
لقد جئت شيئًا إمرًا.
وكذلك بطبيعة الحال لم
يكن ليعجب المساكين أن يحصل لسفينتهم أي مكروه أو عيب أو خلل.
ولكن لقد كان في ذلك
العيب الذي طرأ عله السفينة خيراً كثيراً؛ إذ لو بقيت تلك السفينة صالحة في أحسن
حله، وأفضل أبهة، لكان صادرها وأخذها عليهم الملك، الذي يأخذ كل سفينة صالحة
غصباً.
نعم لقد فعل ذلك الخضر
بوحي من الله، لحكمة أرداها الله: ﴿
أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَٰكِينَ يَعْمَلُونَ فِى ٱلْبَحْرِ فَأَرَدتُّ
أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾.
وهكذا علينا أن نستشعر
نعمة الله، ونسلم لقضاء الله وقدره، ونرضى بحكمة الله فيما كتب وقسم، وشاء وقدر،
فالقليل الذي معك قد يجعل الله فيه خيراً كثيراً، والوضع الذي تمر به ولو كان
صعباً أو معيباً فلربما كان هو الأفضل لك.
صحيح .. الإنسان دائماً
عليه أن يتطلع للأفضل والأحسن والأكمل، وعليه أن يجد ويسعى لذلك.
ولكن تمر بالإنسان ظروف وأوقات وأحوال لأن يبقى
معه شيء ولو كان يسيراً أو معيباً أفضل من لا شيء، وقد يكون في ذلك الشيء القليل
واليسير .. الخير الكثير ..
ورحم الله القائل:
جُبِلت على كدرٍ وأنت
تريدُها ،،، صفواً من الأقذاءِ والأكدارِ.
📝 وليد الهمداني ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق