التفكر في مخلوقات الله عزوجل


التفكر في مخلوقات الله تعالى هو جولان العقل وإعمال الفكر فيها حتى يصل الإنسان إلى نتيجة وعبرة وعظة من ذلك، وقد أمر الله تعالى به وحث عليه في كتابه لما يتوصل به الإنسان من المطالب العالية والإيمان واليقين.

والرسول صلوات الله وسلامه عليه أعظم عباد الله تفكراً وأكملهم في ذلك حيث كان يتفكر في آيات الله ومخلوقاته، ويدعو إلى ذلك.

والتفكر في مخلوقات الله عزوجل مجال واسع النطاق، يمتد إلى ملكوت السماوات والأرض، وما سخر الله فيها من كل شيء، والتفكر في خلق الإنسان الذي كرمه الله تبارك وتعالى وشرفه على بقية المخلوقات، والتفكر في عالم الحيوان والنبات وغير ذلك.

فالإيمان يزداد في قلب الإنسان عندما يتفكر في مخلوقات الله تعالى، فيستدل بها على ما لله من صفات الكمال والجلال، ويعلم أنه لا يخلق أحد كخلق الله، ولا يدبر كتدبيره سبحانه، وعند ذلك يحصل له زيادة الإيمان وامتلأ قلبه من معرفة ربه وحبه بحسب العلم بكمال الله وعظمته، فإن القلوب مجبولة على محبة الكمال فكيف بمن له الكمال المطلق.

والتفكر ينمي اليقين في القلب، قال بعض السلف: مازال المؤمنون يتفكرون فيما خلق ربهم حتى أيقنت قلوبهم بربهم "( حلية الأولياء 6/ 303).

والتفكر في مخلوقات الله عبادة من العبادات، وأمر مندوب إليه، يلازمها أولياء الله العارفين، وعباده الصالحين، فقد سئلت أم الدرداء رضي الله عنها عن عبادة أبي الدرداء رضي الله عنه، فقالت" كان نهاره اجمعه في بادية التفكر"، وقال الحسن البصري رحمه الله: " تفكر ساعة خير من قيام ليلة "( مفتاح دار السعادة، 1 /180)، وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: " الكلام بذكر الله ﻷ حسن، والفكرة في نعم الله أفضل العبادة "( حلية الأولياء 5 / 314).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " النظر إلى المخلوقات العلوية والسفلية على وجه التفكر والاعتبار مأمور به مندوب إليه "(مجموع الفتاوى، 343/15 ).

والتفكر في مخلوقات الله سبحانه وتعالى يجعل القلب دائم الصلة بالله، حيث يشهد عظمته، وبديع صنعه في الأفاق.
قال ابن عون رحمه الله: " الفكرة تذهب الغفلة وتحدث للقلب الخشية كما يحدث الماء للزرع النبات، وما جليت القلوب بمثل الأحزان، ولا استنارت بمثل الفكرة" (معالم التنزيل، 1 / 385. ).

والتفكر في مخلوقات الله تعالى، ينير بصيرة القلب، على أسرار هذا الكون الفسيح، الذي سخره الله للإنسان، قال سفيان بن عيينة رحمه الله: " الفكرة نور تدخله إلى قلبك"(حلية الأولياء 7 / 306 ).
وقال ابن أبي الدنيا رحمه الله: "قال بعض الحكماء: أحي قلبك بالمواعظ، ونوره بالتفكر "( تفسير القرآن العظيم، 3/228.).

والعمل هو مقصود التفكر وغايته، وإنما يحمد التفكر إذا تبعه العمل، لا أن يكون تفكراً مجرداً، بل إن من العجب أن يتفكر المرء ثم لا يتبع ذلك بالعمل، فأثر التفكر يظهر على المرء في عمله، ولذلك قال بعض السلف: تعود الطاعات إلى التفكر والاعتبار، وقال الحسن البصري رحمه الله: التفكر يدعو إلى الخير والعمل به"(حلية الأولياء2/ 134 ).
...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق