الارتقاء الشخصي

 

إن من أهم المهمات اهتمام الإنسان بنفسه والسعي في إصلاحها وتنميتها والارتقاء بها، لما يترتب على ذلك من سعادة الإنسان ونجاحه في حياته وبعد مماته.

فالمرء هو المسؤول عن نفسه، وهو الذي يجني عوائد ذلك الاهتمام والارتقاء بها، يقول تعالى: ﴿وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا یَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِیرُ ﴾ [فاطر ١٥-١٨].

والمرء بين حالين: إما أن يهتم بنفسه ويحرص على إصلاحها وتنميتها والارتقاء بها، وإما أن يهمل نفسه ويغفل عنها، وبالتالي تتراجع وتتقهقر إلى الوراء.

يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله – " فالعبد سائر لا واقف، فإما إلى فوق، وإما إلى أسفل، إما إلى أمام وإما إلى وراء، وليس في الطبيعة ولا في الشريعة وقوف البتة، ما هو إلا مراحل تطوى أسرع طي إلى الجنة أو النار، فمسرع ومبطئ، ومتقدم ومتأخر، وليس في الطريق واقف البتة، وإنما يتخالفون في جهة المسير، وفي السرعة والبطء ﴿ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾ [المدثر: 35 - 37] ولم يذكر واقفا، إذ لا منزل بين الجنة والنار، ولا طريق لسالك إلى غير الدارين البتة، فمن لم يتقدم إلى هذه بالأعمال الصالحة فهو متأخر إلى تلك بالأعمال السيئة" مدارج السالكين (1/ 278).

إن من يهمل نفسه سوف يهمل بطبيعة الحال أهله وأولاده والآخرين من حوله، ففاقد الشيء لا يعطيه، ومن يهتم بنفسه سوف يهتم بهم.

 ومن ينجح في إدارة نفسه وإصلاحها والارتقاء بها سوف ينجح في إدارة الآخرين وإصلاحهم والارتقاء بهم، ومن ربى نفسه سوف يستطيع أن يربي غيره.

◼️ " قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: العاجز من عجز عن سياسة نفسه.

◼️ وقال بعض الحكماء: من ساس نفسه ساد ناسه" أدب الدنيا والدين" (ص: 234).

◼️ وقال السّرِيّ السقَطيّ - رحمه الله -: " أَقوى القُوَّةِ غلبَتُك نفْسَك، ومن عَجَزَ عن أَدَبِ نَفْسِهِ كان عن أَدَبِ غَيْرِهِ أَعْجَزَ، ومن أَطاع من فَوْقَهُ أطاعَه مَنْ دُونَهُ". حلية الأولياء (10/ 124).

إن أي نجاح ظاهري يحققه المرء في ميادين الحياة لا قيمة له ولا فائدة إلا إذا صاحبه نجاح داخلي مع النفس بإصلاحها وتنميتها، وإصلاح القلب وعمارته بالإيمان والتقوى، وتزويد العقل بالعلم والمعرفة، والاهتمام بالجسد والروح معاً، عند ذلك ينعم الإنسان بطعم الحياة، ويتحقق له النجاح الحقيقي.

◼️ والارتقاء الشخصي يشمل مجالات عدة أهمها ثلاثة مجالات:

🔸 الارتقاء الروحي: من خلال تحسين وتقوية الصلة بالله تعالى، وزيادة الإيمان والتقوى، وترقية النفس بطاعة الله تعالى وعمل الصالحات، وتطهيرها من الذنوب، وتنقيتها من العيوب.

🔹 الارتقاء العقلي: بالاستزادة من العلم النافع، واكتساب المعرفة، وقراءة الكتب النافعة والمفيدة، وتطوير مهارات التفكير، وتحسن القدرات العقلية، وتنمية المهارات الشخصية والحياتية.

🔸 الارتقاء الجسدي: من خلال الاهتمام بصحة الجسم، ونشاطه وحيويته، ونظافته وأناقته، والحرص على التغذية الجيدة، والمشي والرياضة، والمواظبة على العادات الصحية.

إن أفضل استثمار هو الاستثمار في الذات، فهو لن يحسن من حياتنا فقط بل وسيؤثر إيجاباً على حياة من حولنا.

 ما سوف ننفقه ونبذله في سبيل الدراسة أو التعلم، أو لشراء كتاب مفيد، أو الالتحاق بدورة نافعة، أو الاشتراك في نادي رياضي، أو غير ذلك من المجالات التي تساعد على النمو والتطور والارتقاء الشخصي، سيكون عائده كبير في حاضرنا وفي مستقبلنا.

 

📝 وليد الهمداني.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق